عاد موضوع الدّروس الخصوصيّة إلى الواجهة ككل مرة، بعد الشروع في تحقيق وطني طال مراكز تعليم اللغات بمبادرة من وزارة التجارة، بعدما قيّدت هذه المراكز في سجلها التجاري نشاط تعليم اللغات الأجنبية فقط، ولكنها في الواقع أضافت نشاط تقديم دُروس خصوصية للتلاميذ في سلوك مخالف للقانون. واستغل أساتذة وتلاميذ الموضوع، لإعادة فتح النقاش حول الدروس الخصوصية، بين أهميتها وضررها.
وبات “منع الدروس الخصوصية” من أكثر المنشورات تداولا على منصات التواصل الاجتماعي منذ أكثر من أسبوع، وتزامن الأمر مع إعادة تداول تعليمة صادرة عن وزارة التجارة أواخر شهر نوفمبر 2024 متعلقة بمراقبة أكاديميات ومراكز تعليم اللغات عبر الوطن، التي عرفت انتشارا واسعا، وبحسب التعليمة الوزارية التي أعادت الوزارة نشرها للرأي العام أمس الأول الأحد في تعليمة جديدة، فقد لوحظ أن العديد من مدارس تعليم اللغات، تُستغل في تقديم خدمات أخرى مرتبطة بالتعليم والتكوين وممارسات تمس بمرجعية التربية الوطني، ومنها تقديم دروس خصوصية في مختلف الأطوار التعليمية، وهي أنشطة خارج موضوع السجل التجاري، وهو ما أعاد الجدل على “السوشل ميديا” حول واقع وفوضوية الدروس الخصوصية خاصة بعد تداول العديد من المنشورات التي نقلت إشاعات غلق مراكز الدروس الخصوصية دون فهم حقيقة تعليمة وزارة التجارة التي طالت مراكز تعليم اللغات التي تمتهن نشاط الدروس الخصوصية.
وكان وزير التربية الوطنية، محمد الصغير سعداوي، قد تحدث نهاية الشهر الماضي عن واقع الدروس الخصوصية التي طغت على التعليم في الجزائر وقال إن الوزارة تشتغل على ضمان جودة التعليم، وأضاف الوزير في إجابته على سؤال لأحد النواب بالمجلس الشعبي الوطني: ”لما يتوجه التلميذ للدروس الخصوصية، فهناك إشكال” وقال إن ذهاب الأستاذ نحو إلقاء الدروس الخصوصية هو بدافع مادي، وتحسين المستوى المادي سيحارب هذه الآفة..
دعوة إلى التقنين لمواجهة الفوضى
وفي الموضوع، يعتبر الأمين العام الوطني للنقابة المستقلة لعمال التربية والتكوين “ساتاف” بوعلام عمورة، في تصريح لـ”الشروق”، بأنّه يستحيل أن تتمكّن السّلطات من المنع النهائي للدّروس الخصوصية، لأنّ منع تقديمها في المراكز يجعل أصحابها يقدمونها داخل البيوت والمنازل الشخصية دون حسيب ولا رقيب.
وأفضل حلّ بحسب عمورة، هو في تقنين هذا النشاط ومراقبته، وفرض ضرائب على أصحابه، على غرار ما هو موجود في كثير من الدول الأخرى، قائلا: “كثير ممّن يقدمون الدّروس الخصوصية يجنون الملايير، ولا يجب أن تفلت هذه الأموال من دفع الضريبة عنها”.
جدل بين الأساتذة وانتقادات لهذا النشاط
وتغلغلت الدروس الخصوصية، وأصبحت تنافسية في أسعارها، بحيث وصل سعر الساعة في مادة واحدة فقط 3 آلاف دج، لدرجة أصبحنا نسمع عن دروس دعم لتلاميذ السنة أولى من الطور الابتدائي..! ويؤكد خبراء في التربية، أن الدروس الخصوصية علمت بعض التلاميذ عقلية الاتكال، فصاروا لا يهتمّون بالفهم والتركيز مع الدّروس المقدمة لهم في الأقسام، لأنهم يعلمون بوجود البديل خارج المدرسة. وسارع بعض الأساتذة المتخصصين في تقديم الدروس الخصوصية سواء بمنازلهم أم عبر منصات إلكترونية، وبمجرّد الحديث عن إغلاق أكاديميات مخالفة للقانون، إلى التأكيد على أهمية منح الدروس الخصوصية للتلاميذ الباحثين عنها، مُؤكّدين أن المتضرّر الوحيد من إيقافها هم التلاميذ محدودو المستوى، حيث أكد أستاذ رياضيات، بشير أحمد، الذي يرى أن مشكلة الدّروس الخصوصية في الجزائر ليست في فكرة الدروس نفسها بل في من يمارسها، معتبرا أن غياب الرّقابة وغياب الوعي لدى بعض التلاميذ وأوليائهم جعل كلّ من “هبّ ودبّ يتصدّر للتّدريس دون أدنى مستوى علمي للمادة التي هو مقبل على تدريسها”.
والأسوأ، بحسب قوله، هو انتقال الدروس الخصوصية من كونها تكميلية للمدارس النّظامية إلى منافس لها “بل صارت تُبرمج في وقت دوام التلاميذ، لتضعهم أمام خيارين إمّا المدرسة النّظامية وإمّا الدّروس الخصوصية”.
ومن جهته، أكد الأستاذ، أحمد بشير، أن منع الدروس الخصوصية بالكامل قد يضرّ بمصلحة فئة لا بأس بها من التلاميذ، الذين يحتاجون لدروس التقوية للتحسين من مستواهم، وهو ما جعله يقترح تقنين هذا النشاط، وإخضاعه للمراقبة.
ومن جهته، قال الأستاذ “أمين” المُواظب على تقديم دروس في التّاريخ والجغرافيا، الذي رأى بأن المتضرّر الوحيد من إيقاف الدروس الخصوصية هم أبناء الفقراء وأصحاب الدخل المحدود، لأنه بحسب تعبيره “بعد تداول أخبار عن توقيف الدروس الخصوصية وصلتني كثير من رسائل باش نقرّي ولادهم vip يعني وحّدهم في المنازل وبمبالغ مرتفعة”، وبحسب تفسير هذا الأستاذ “فقيمة الأستاذ سترتفع كثيرا ويصبح عملة نادرة..”
وتلقّى الأستاذ أمين هُجوما كبيرا من روّاد الإنترنت، بسبب هذا المنشور الذي وضعه على صفحته الرّسمية بفيسبوك، معتبرين في ردودهم أن المتضرر الوحيد من منع الدروس الخصوصية، هم أصحاب المستودعات والسوق التعليمية السوداء، وتساءل آخر عن الفرق بين ما يقدمه الأستاذ في المدرسة الرسمية وما يقدمه أساتذة الدروس الخصوصية في المستودعات. وقال مواطن: “لم تزايدون على الأساتذة النظامييّن وكأنهم لا يعملون بينما أنتم المنقذ المخلص للتلميذ بمنحه دروسا خصوصية؟”.
إرسال تعليق
مرحبًا بكم في قسم التعليقات على مدونتنا!
نشكر لكم زيارتكم واهتمامكم بمحتوانا. لضمان بيئة تفاعلية إيجابية ومفيدة للجميع، نرجو الالتزام بالقواعد التالية عند كتابة التعليقات:
الاحترام أولًا: نرجو استخدام لغة مهذبة واحترام آراء الآخرين، حتى لو كانت تختلف عن آرائك.
المحتوى ذو الصلة: تأكد من أن تعليقك مرتبط بموضوع المقالة لضمان فائدة النقاش.
عدم الإساءة أو الهجوم الشخصي: تجنب الألفاظ المسيئة، التهجم الشخصي، أو التحريض بأي شكل.
منع البريد المزعج (Spam): يمنع نشر الروابط غير ذات الصلة، الإعلانات، أو الترويج لمنتجات دون إذن مسبق.
الوضوح والإيجاز: اجعل تعليقك واضحًا ومباشرًا لتسهيل التفاعل.
عدم نشر محتوى غير لائق: يمنع نشر أي محتوى يحتوي على عنصرية، كراهية، أو أي مواد تنتهك القوانين أو القيم الأخلاقية.
نحتفظ بحق حذف أي تعليق لا يلتزم بهذه القواعد دون سابق إنذار.
شكرًا لتعاونكم ونتطلع إلى قراءة آرائكم ومشاركاتكم الثرية!
مع أطيب التحيات،
[تحميل ملفات الإدارة الجزائرية]